سورة الرحمن - تفسير تفسير الخازن

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الرحمن)


        


{فبأي آلاء ربكما تكذبان رب المشرقين} يعني مشرق الصيف وهو غاية ارتفاع الشمس ومشرق الشتاء وهو غاية انحطاط الشمس. {ورب المغربين} يعني مغرب الصيف ومغرب الشتاء، وقيل يعني مشرق الشمس ومشرق القمر ومغرب الشمس ومغرب القمر {فبأي آلاء ربكما تكذبان مرج البحرين} يعني أرسل البحرين العذب والملح متجاورين متلاقين لا فصل بين الماءين لأن من شأنهما الاختلاط وهو قوله: {يلتقيان} لكن الله تعالى منعهما عما في طبعهما بالبرزخ وهو قوله: {بينهما برزخ} أي حاجز من قدرة الله {لا يبغيان} أي لا يبغي أحدهما على صاحبه وقيل لا يختلطان ولا يتغيران وقيل لا يطغيان على الناس بالغرق وقيل مرج البحرين بحر الروم وبحر الهند وأنتم الحاجز بينهما وقيل بحر فارس والروم بينهما برزخ يعني الجزائر وقيل بحر السماء وبحر الأرض يلتقيان في كل عام {فبأي آلاء ربكما تكذبان يخرج منهما} قيل إنما يخرج من البحر الملح دون العذب فهو كقوله: {وجعل القمر فيهن نوراً} وقيل أراد يخرج من أحدهما فحذف المضاف وقيل لما التقى البحران فصارا كالشيء الواحد جاز أن يقال يخرج منهما كما يقال يخرج من البحر ولا يخرج من جميع البحر ولكن من بعضه وقيل يخرج من السماء وماء البحر قيل إذا أمطرت السماء تفتح الأصداف أفواهها فحيثما وقعت قطرة صارت لؤلؤة على قدر القطرة، وقوله تعالى: {اللؤلؤ} قيل هو ما عظم من الدر {والمرجان} صغاره وقيل بعكس ذلك وقيل المرجان هو الخرز الأحمر {فبأي آلاء ربكما تكذبان وله الجوار} يعني السفن الكبار {المنشآت} أي المرفوعات التي يرفع خشبها بعضه على بعض وقيل هي ما رفع قلعها من السفن أما ما لم يرفع قلعها فليست من المنشآت وقيل معنى المنشآت المحدثات المخلوقات المسخرات {في البحر كالأعلام} أي كالجبال جمع علم وهو الجبل الطويل شبه السفن في البحر بالجبل في البر {فبأي آلاء ربكما تكذبان}.


{كل من عليها} أي على الأرض من حيوان وإنما ذكره بلفظة من تغليباً للعقلاء {فان} أي هالك لأن وجود الإنسان في الدنيا عرض فهو غير باق وما ليس بباق فهو فان ففيه الحث على العبادة وصرف الزمن اليسير إلى الطاعة {ويبقى وجه ربك} يعني ذاته والوجه يعبر به عن الجملة.
وفي المخاطب وجهان أحدهما أنه كل واحد والمعنى ويبقى وجه ربك أيها الإنسان السامع.
والوجه الثاني: أنه يحتمل أن الخطاب مع النبي صلى الله عليه وسلم {ذو الجلال} أي ذو العظمة والكبرياء ومعناه الذي يجله الموحدون عن التشبيه بخلقه {والإكرام} أي المكرم لأنبيائه وأوليائه وجميع خلقه بلطفه وإحسانه إليهم مع جلاله وعظمته {فبأي ألاء ربكما تكذبان} عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ألظوا بيا ذا الجلال والإكرام» أخرجه الترمذي وقال الحاكم حديث صحيح الإسناد ومعنى ألظوا الزموا هذه الدعوة وأكثروا منها.
قوله تعالى: {يسأله من في السموات والأرض} يعني من ملك وإنس وجن فلا يستغني عن فضله أهل السموات والأرض قال ابن عباس فأهل السموات يسألونه المغفرة وأهل الأرض يسألونه الرزق والمغفرة وقيل كل أحد يسأل الرحمة وما يحتاج إليه في دينه أو دنياه وفيه إشارة إلى كمال قدرة الله تعالى وأن كل مخلوق وإن جل وعظم فهو عاجز عن تحصيل ما يحتاج إليه مفتقر إلى الله تعالى: {كل يوم هو في شأن} قيل نزلت رداً على اليهود حيث قالوا إن الله لا يقضي يوم السبت شيئاً قال المفسرون من شأنه أنه يحيي ويميت ويرزق ويعز قوماً ويذل قوماً ويشفي مريضاً ويمرض صحيحاً ويفك عانياً ويفرج عن مكروب ويجيب داعياً ويعطي سائلاً ويغفر ذنباً إلا ما لا يحصى من أفعاله وإحداثه في خلقه ما يشاء سبحانه وتعالى وروى البغوي بإسناد الثعلبي عن ابن عباس قال إن مما خلق الله عز وجل لوحاً من درة بيضاء دفتاه من ياقوته حمراء قلمه نور وكتابه نور ينظر الله فيه كل يوم ثلاثمائة وستين نظرة يخلق ويرزق ويحيي ويميت ويعز ويذل ويفعل ما يشاء فذلك قوله تعالى: {كل يوم هو في شأن} قال ابن عيينة الدهر كله عند الله يومان أحدهما مدة أيام الدنيا والآخر يوم القيامة والشأن الذي هو فيه اليوم الذي هو مدة أيام الدنيا الاختبار بالأمر والنهي والإحياء والإماتة والإعطاء والمنع وشأن يوم القيامة الجزاء والحساب والثواب والعقاب، وقال الحسين بن الفضل هو سوق المقادير إلى المواقيت ومعناه إن الله عز وجل كتب ما يكون في كل يوم وقدر ما هو كائن فإذا جاء ذلك الوقت تعلقت إرادته بالفعل فيوجده في ذلك الوقت وقال أبو سليمان الداراني في هذه الآية له في كل يوم إلى العبيد بر جديد وقيل شأنه تعالى أنه يخرج في كل يوم وليلة ثلاثة عساكر عسكراً من أصلاب الآباء إلى أرحام الأمهات وعسكراً من الأرحام إلى الدنيا وعسكراً من الدنيا إلى القبور ثم يرتحلون جميعاً إلى الله تعالى: {فبأي آلاء ربكما تكذبان سنفرغ لكم أيه الثقلان} قيل هو وعيد من الله تعالى للخلق بالمحاسبة وليس هو فراغ عن شغل لأن الله تعالى لا يشغله شأن عن شأن فهو كقول القائل لمن يريد تهديده لأتفرغن لك وما به شغل وهذا قول ابن عباس وإنما حسن ذكر هذا الفراغ لسبق ذكر الشأن وقيل معناه سنقصدكم بعد الترك والإمهال ونأخذ في أمركم فهو كقول للقائل الذي لا شغل له قد فرغت لك وقيل معناه أن الله وعد أهل التقوى وأوعد أهل الفجور فقال سنفرغ لكم مما وعدناكم وأخبرناكم فنحاسبكم ونجازيكم فننجز لكم ما وعدناكم فنتم ذلك ونفرغ منه فهو على طريق المثل وأراد بالثقلين الإنس والجن سميا ثقلين لأنهما ثقلا على الأرض أحياء وأمواتاً، وقيل كل شيء له قدر ووزن ينافس فيه فهو ثقل ومنه قول النبي صلّى اللّه عليه وسلّم: «إني تارك فيكم الثقلين كتاب اللّه وعترتي» فجعلهما ثقلين إعظاما لقدرهما وقال جعفر بن محمد الصادق سمي الإنس والجن ثقلين لأنهما مثقلان بالذنوب.


{فبأي آلاء ربكما تكذبان يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا} أي تخرجوا {من أقطار السموات والأرض} أي جوانبهما وأطرافهما {فانفذوا} أي فاخرجوا والمعنى إن استطعتم أن تهربوا من الموت بالخروج من أقطار السموات والأرض فاهربوا واخرجوا منها فحيثما كنتم يدرككم الموت وقيل يقال لهم هذا يوم القيامة والمعنى إن استطعتم أن تخرجوا من أقطار السموات والأرض فتعجزوا ربكم حتى لا يقدر عليكم فاخرجوا وقيل معناه إن استطعتم أن تهربوا من قضائي وتخرجوا من ملكي ومن سمائي وأرضي فافعلوا وقدم الجن على الإنس في هذه الآية لأنهم أقدر على النفوذ والهرب من الإنس وأقوى على ذلك ثم قال تعالى: {لا تنفذون إلا بسلطان} يعني لا تقدرون على النفوذ إلا بقوة وقهر وغلبة وأني لكم ذلك لأنكم حيثما توجهتم كنتم في ملكي وسلطاني وقال ابن عباس معناه إن استطعتم أن تعلموا ما في السموات والأرض فاعلموا ولن تعلموه إلا بسلطان أي بينة من الله تعالى: {فبأي آلاء ربكما تكذبان} وفي الخبر: «يحاط على الخلق بالملائكة وبلسان من نار ثم ينادي {يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السموات والأرض}» الآية فذلك قوله تعالى: {يرسل عليكما شواظ من نار} قال أكثر المفسرين هو اللهب الذي لا دخان فيه وقيل هو اللهب الأخضر المنقطع من النار {ونحاس} وقيل هو الدخان وهو رواية عن ابن عباس وقيل هو الصفر المذاب يصب على رؤوسهم وهو الرواية الثانية عن ابن عباس وقال ابن مسعود النحاس المهل وقيل يرسل عليهما هذا مرة وهذا مرة وقيل يجوز أن يرسلا معاً من غير أن يمتزج أحدهما بالآخر {فلا تنتصران} أي فلا تمتنعان من الله ولا يكون لكم ناصر منه.

1 | 2 | 3 | 4 | 5